الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام
.ما ترشد إليه الآيات الكريمة: ثانياً: ضرورة التريث قبل الحكم على الأشخاص لمجرد سماع الأنباء خشية الظلم والعدوان عليهم. ثالثاً: الرسول صلى الله عليه وسلم هو المرجع للمؤمنين، فلا يجوز لأحدٍ من أهل الإيمان أن يقطع بأمرٍ دونه. رابعاً: وجوب الإصلاح بين طوائف المؤمنين عند حصول النزاع خشية تصدُّعِ الصف، وتفرُّقِ الكلمة. خامساً: إذا بغت إحدى الطائفتين على الأخرى ولم يمكن الاصلاح وجبَ قبر الفتنة بحدّ السيف. سادساً: المؤمنون إخوة جمعتهم رابطة (العقيدة والإيمان) وهذه الرابطة أقوى من رابطة النسب والدم. سابعاً: يجب على المؤمنين مقاومة أهل البغي إبقاءً لوحدة الأمة الإسلامية ودفعاً للظلم عن المستضعفين. .خاتمة البحث: يدعو الإسلام إلى التثبت في الخبر، وأخذ الحيطة والحذر، في كل أمرٍ من أمور المؤمنين، ليجتنبوا المزالق التي يدبّرها لهم أعداؤهم، ويكونوا على بيّنةٍ من أمرهم، فكم من فتنة حصلت بسبب خبر كاذب، نقله فاسق فاجر؟ وكم من دماء أريقت بسبب فتنةٍ هوجاء، أشعلَ نارَها أناسٌ ماكرون؟ لا يريدون للأمة الخير، ولا يضمرون للمسلمين إلاّ كل شرّ، وبلاءٍ، وفتنة، ليفسدوا عليهم وحدتهم، ويكدّروا عليهم صفاءهم وسرورهم. لذلك أمر الإسلام بمبدأ كريم فاضل (مبدأ التمحيص) والتثبت من كل خبر، وخاصة خبر الفاسق، الذي لا يقيم حرمةً للدين، ولا يبالي بما يحدث من جراء كذبه وبهتانه، من أضرار فادحة، ونتائج وخيمة، تشلّ حركة المجتمع، وقد تفضي إلى فجيعة عظيمة تودي بحَياة أناسٍ بريئين، كما كان سيحدث في قصة (الوليد بن عقبة) لولا أنّ الله عز وجل أطلع رسوله على جليّة الأمر، بواسطة الوحي المنزل، فكان في ذلك صيانة الدماء البريئة، وحفظ وحدة المسلمين. كما أمر الإسلام بمقاومة الظلم والطغيان، أيّاً كان مصدره، فدعا إلى الإصلاح بين الطوائف المتنازعة، والفئات المتخاصمة، فإن لم ينفع الصلح، ولم تثمر دعوته، كان السيف هو الحكم الفاصل تقاتل به الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله، وتفيء إلى رشدها. وهذه الخطة الحكيمة التي انتهجها الإسلام قاعدة تشريعية وقائية، لصيانة المجتمع المسلم من الخصام، والتفكك، والاندفاع وراء الأهواء الطائشة، التي لا تجني منها الأمة إلاّ كل شر، وبلاء. .سورة الواقعة: .تفسير الآيات (75- 87): سورة الواقعة: [1] حرمة مس المصحف: .التحليل اللفظي: والمراد بمواقع النجوم: مواضعها ومنازلها من بروجها، فلكل نجم مدار يدور فيه، وموضع لا يتعدّاه {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]. {مَّكْنُونٍ}: المكنون: المستور قال تعالى: {كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 23] والمراد أنه مصون مستور عن غير الملائكة المقربين لا يطّلع عليه من سواهم، أو مصون محفوظ عن التبديل والتغيير بحفظ الله تعالى له: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ. وقال مجاهد وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا. {المطهرون}: الملائكة الأطهار، أو المطهّرون من الأحداث، من الجنابة والبول والغائط وأشباهها مما يمنع من الصلاة، والمراد على الثاني أنه لا يمسّ القرآن إلا طاهر من الجنابة والحدث. {مُّدْهِنُونَ}: متهاونون مكذّبون، قال القرطبي: والمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبّه بالدهن في سهولة ظاهره ولهذا يقال للرجل المتهاون أو المتلاين في أمر الدين: مداهن أي أنه يلين جانبه. قال في (اللسان): والمداهنة والإدهان: المصانعة واللين، وقيل: المداهنة إظهار خلاف ما يضمر. {بَلَغَتِ الحلقوم}: أي بلغت النفس أو الروح الحلقوم، ولم يتقدم لها ذكر لدلالة الكلام عليه ولأن المعنى معروف، وأنشدوا في ذلك: {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} [الواقعة: 5]: أي محاسبين أو مجزيّين بأعمالكم، مأخوذ من دان بمعنى جازى ومنه الحديث الشريف: «اعمل ما شئت كما تدين تُدان» أي كما تفعل تُجزى. وقال ابن قتيبة: غير مدينين أي غير مملوكين ولا مقهورين من قولهم: دنت له بالطاعة. وقال الفراء: دنته أي ملكته وأنشد للحطيئة: {تَرْجِعُونَهَآ}: ترجعون الروح إلى الجسد، والمعنى: إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم فهلاَّ تردّون هذه الروح إلى الجسد؟ فإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر بيد الله تعالى. .وجه الارتباط بالآيات السابقة: وقد بيَّن تعالى أنَّ هذا القرآن ليس- كما يزعم المشركون- من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وإنما هو تنزيل الحكيم العليم، وقد أقسم على ذلك بهذا القسم العظيم، وهذا هو وجه الارتباط بين الآيات السابقة وبين هذه الآيات الكريمة. .المعنى الإجمالي: وهذا الكتاب العزيز لم تتنزّل به الشياطين، فالشياطين لا تمسّ هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه، وإنما تنزّلت به الملائكة الأطهار، ولا ينبغي أن يمسّه إلاّ من كان مثلهم طاهراً، لأنه كلام ربّ العزّة جلّ وعلا، ومن تعظيم كلام الله ألاّ يمسّه إلا من كان طاهراً مطهّراً. أفبهذا القرآن- أيها الناس- تكذّبون وتكفرون؟ وتجعلون شكر النعم أنكم تنكرون فضل الله المنعم المتفضّل عليكم؟ فماذا أنتم فاعلون حين تبلغ الروح الحلقوم، وتقفون في مفرق الطريق المجهول؟ هل تملكون العودة إلى الدنيا أو دفع الموت عنكم؟ أو تستطيعون أن تردّوا إلى أحد روحه بعد أن تنفصل عن جسده؟ فلو كنتم غير محاسبين، أو كان الأمر كما تقولون: لا حساب ولا جزاء، ولا بعث ولا نشوز، فأنتم حينئذٍ طلقاء غير مدينين ولا محاسبين، فدونكم إذن فلترجعوها- وقد بلغت الحلقوم- لتردّوها عما هي ذاهبة إليه من حساب وجزاء، وأنتم حولها تنظرون، وملائكتنا أقرب إليها منكم ولكن لا تبصرون، وهي ماضية إلى (الدينونة الكبرى) وأنتم ساكنون عاجزون، وهناك تلقون الجزاء الأوفى من أحكم الحاكمين. .لطائف التفسير: اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} جاءت هذه الجملة الاعتراضية (لو تعلمون) بين الصفة والموصوف، وفائدة هذا الاعتراض هي التهويل من شأن القسم، والتنبيه إلى عظمة الكون كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]. والمقسم عليه هو (القرآن العظيم) وأصل الكلام: (وإنه لقسم عظيم، إنه لقرآن كريم) فاعترض بين الصفة والموصوف لهذا السرّ الدقيق. اللطيفة الثالثة: فإن قيل: أين جواب (لَوْ) في الجملة الاعتراضية؟ نقول: لا جواب لها لأنه أريد به نفي علمهم وكأنه قال: وإنه لقسم ولكن لا تعلمون، أو إنه محذوف ثقة بظهوره أي لو تعلمون حق العلم لعظّمتموه، أو لعملتم بموجبه، والفعل المضارع (تعلمون) ليس له مفعول على حدّ قولهم: فلانٌ يعطي ويمنع، وهو أبلغ وأدخل في الحسن ممّا لو كان له مفعول فتدبره. اللطيفة الرابعة: قال الإمام الفخر: رحمه الله في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}: القرآن مصدر أريد به المفعول وهو المقروء، كما في قوله تعالى: {هذا خَلْقُ الله} [لقمان: 11] أي مخلوق الله، ووصفُه بالكريم فيه لطيفة، وهي أنَّ الكلام إذا قرئ كثيراً يهون في الأعين، والآذان، ولهذا ترى من قال شيئاً في مجلس الملوك، لا يذكره ثانياً، ولو قيل لقائله لم تكرّر هذا؟ اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} إطلاق الحديث على القرآن الكريم، كثيرٌ بمعنى كونه (اسماً) لا (وصفاً) فإنّ الحديث اسمٌ لما يُتحدث به، وهو وصفٌ يوصف به ما يتجدّد، فيقال: أمر حادث، ورسم حديث أي جديد، ويقال: أعجبني حديث فلان بمعنى كلامه، والقرآن قديم له لذة الكلام الجديد، فصحّ أن يسمّى (حديثاً). والإدْهان: تليين الكلام لاستمالة السامع، من غير اعتقاد صحة الكلام، كما يقول العدوّ لعدوّه: أنا أدعو لك، وأثني عليك، مداهنة منه وهو كاذب، فصار استعمال المدهن في المكذّب من هذا القبيل. قال الزجّاج: معناه: أفبهذا القرآن أنتم تكذبون؟. اللطيفة السادسة: المناسبة بين المقسم به وهو (النجوم)، وبين القسم عليه وهو (القرآن) أنّ النجوم جعلها الله ليهتدي بها في ظلمات البرّ والبحر، وآيات القرآن يهتدي بها في ظلمات الجهل والغواية، وتلك ظلمات حسيّة، وهذه ظلمات معنوية، فالقسم هنا قد جمع فيه بين الهدايتين (الحسيّة) للنجوم، و(المعنوية) للقرآن فتدبّر هذا السرّ الدقيق. اللطيفة السابعة: قوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} ظاهر الكلام النفي، ومعناه النهي كقوله تعالى: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} [النور: 3] يراد منه النهي، وكقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] خبر بمعنى الأمر، والمراد بالآية أنهم المطهّرون من الأحداث. قال ابن كثير: قوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} قال بعضهم: أي من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر، ومعناه الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن هاهنا المصحفُ، كما روى مسلم في (صحيحه) عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدوّ، واحتجوا بما رواه مالك في الموطأ أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن حزم: «ألاّ يمسّ القرآن إلاّ طاهر». اللطيفة الثامنة: قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} هو على حذف مضاف أي وتجعلون شكر رزقكم تكذيبكم بالقرآن، أي تضعون الكفر مكان الشكر، فهو على حد قول القائل: قال ابن عباس: في تفسير الآية: وتجعلون شكركم التكذيب. قال الألوسي: إنّ في الكلام مضافاً مقدّراً أي شكر رزقكم، أو إشارة إلى أن الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر. وقال الثعلبي المعنى: وتجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذِّبون. .وجوه القراءات: 2- قرأ الجمهور: {بمواقع} على الجمع، وقرأ حمزة والكسائي: {بموقع} على الإفراد لأنه اسم جنس. 3- قرأ الجمهور: {المُطَهّرون} اسم مفعول من (طهّر) مشدّداً، وقرأ نافع: {المُطْهَرون} مخففاً من أطهر، وقرأ سلمان الفارسي: {المُطَّهَّرون} بشدّ الطاء والهاء أصله {المتطهرون} فأدغمت التاء في الطاء.
|